## "المستقلة": كارين جان بيير تكشف خبايا البيت الأبيض "المهشم" وتعلن انفصالها عن الحزب الديمقراطي
في عالم السياسة الأمريكية المتلاطم
حيث تتشابك الولاءات الحزبية وتصطدم المصالح الشخصية بالوطنية، يبرز صوتٌ جديد ومختلف يجرؤ على التحدي وكشف المستور. هذا الصوت هو
لكارين جان بيير، السكرتيرة الصحافية السابقة للبيت الأبيض، التي لم تكتفِ بمغادرة
منصبها المرموق بعد عامين ونصف من الخدمة، بل أعلنت انفصالها عن الحزب الديمقراطي
برمته في كتابها الصادر حديثاً والمعنون بـ "المستقلة: نظرة من الداخل إلى
البيت الأبيض المهشم، بعيداً من الخطوط الحزبية".
![]() |
| ## "المستقلة": كارين جان بيير تكشف خبايا البيت الأبيض "المهشم" وتعلن انفصالها عن الحزب الديمقراطي |
هذا الكتاب، على الرغم من حجمه
الذي لا يتجاوز 170 صفحة، يُعد قراءة ضرورية لكل من يسعى لفهم أعمق لديناميكيات
السلطة في واشنطن والعوامل التي تشكل المشهد السياسي الأمريكي المعاصر.
من الواجهة الإعلامية إلى المنفى الحزبي رحلة كارين جان بيير
تولّت كارين جان بيير
منصب السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض في فترة مليئة بالتحديات، لتصبح بذلك واجهة
إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن للعالم. لم تكن جان بيير مجرد متحدثة، بل
كانت رمزاً بحد ذاتها؛ أول امرأة سوداء البشرة تتولى هذا المنصب، وأول امرأة معلنة
المثلية، وأول امرأة تنتمي إلى الجيل الأول من أبناء المهاجرين تصل إلى هذا الدور
الحاسم. هذه التعيينات لم تكن مجرد إنجازات شخصية، بل عكست تطلعات الحزب
الديمقراطي نحو التنوع والشمولية.
- على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات، كانت جان بيير هي الصوت الرسمي للبيت الأبيض، تقدم
- الإيجازات الصحافية اليومية وترافق الرئيس في رحلاته حول العالم. كانت مهمتها الأساسية هي
- الدفاع عن سياسات الإدارة وإنجازاتها، وتوضيح موقف البيت الأبيض من القضايا المحلية والدولية.
- ومع ذلك، وكما يشير ديفيد سميث في تقريره لصحيفة "الغارديان"، فإن مقولة أن "حياة أي سياسي
- تنتهي بالفشل" يبدو أنها تنطبق أيضاً على المتحدثين الرسميين.
فقد وجدت جان بيير نفسها في الأشهر الأخيرة من عملها تتصدى لأسئلة محرجة حول قدرات بايدن الذهنية، وهي مهمة وصفها الكثيرون بأنها "دفاع عما لا يمكن الدفاع عنه".
تدهورت صورة رئيسها
أمام عينيها، وتضاءلت إنجازاته العديدة تحت وطأة الإخفاق في منع عودة دونالد ترامب
إلى السلطة. هذه التجربة القاسية تركت أثرها العميق، وتوجت بظهور البيت الأبيض "متهشماً"
على غلاف كتابها، وهو ما يعكس شعورها العميق بالخيبة والإحباط.
المستقلة كتاب يفضح الوضاعة وضعف القيادة
الدافع وراء كتاب جان
بيير وانفصالها عن الحزب الديمقراطي هو "خيبة الأمل العميقة في قيادة الحزب
التي خانت بايدن في تقديرها، ولم تقدم الدعم الاستراتيجي لنائبته كامالا هاريس،
وواجهت بـ 'ضعف صادم' تهديد الاستبدادية الذي تمثل في ترامب". هذه الكلمات
ليست مجرد اتهامات عابرة، بل هي صرخة من الداخل تكشف عن تصدعات عميقة في بنية الحزب
الديمقراطي.
- يصف استعراض (ببليشرز ويكلي) كتاب جان بيير بأنه "نقد لاذع لنظام الحزبين كله". ترى جان بيير
- أن أعوام عملها في البيت الأبيض قد أفضت بها إلى هذا التحول الجذري، حيث تكشف عن "روح
- الوضاعة" التي سادت بين قادة الحزب الديمقراطي.
فقد ضغط هؤلاء القادة على
الرئيس بايدن للتخلي عن ترشحه لانتخابات 2024 بعد مناظرته مع ترامب، والتي تصر جان
بيير على أن أداء بايدن المتواضع فيها كان بسبب إصابته بالبرد. وتؤكد أنها رأت
بايدن وهو يؤدي مهامه "صافي الذهن... واسع الاطلاع"، وأن حملته "كان
يمكن أن تتجاوز انتكاسة المناظرة".
الكتاب يسلط الضوء
أيضاً على الصعوبات التي واجهتها جان بيير شخصياً في مواجهة "جهاز إعلامي
عدواني" يطرح أسئلة محرجة حول صحة بايدن، وكيف حاربت سيلاً من تسجيلات
الفيديو "المتلاعب بها ببراعة" لإظهار بايدن ضعيفاً. علاوة على ذلك،
تكشف جان بيير عن خلافات داخلية ناجمة عن "غيرة الزملاء"، مشيرة إلى
وجود "عضو أساس في فريق البيت الأبيض... كان ينسق حملة ترمي إلى إخراجي"
دون أن تسميه.
في حوارها مع إذاعة
أمريكا الوطنية، في أكتوبر الماضي، أكدت جان بيير أن الهزيمة في الانتخابات
الرئاسية الأخيرة كانت نتيجة "خلل داخلي في الحزب وانعدام للولاء"، وأن "عجز
الديمقراطيين عن الاحتشاد حول بايدن كلفهم غالياً". ترى جان بيير أن بايدن
حقق "أربعة أعوام شديدة النجاح"، لكن الحزب فشل في دعمه عندما حانت
اللحظة الحاسمة، على عكس الجمهوريين الذين استطاعوا التوحد حول مرشحهم.
مظلمة شخصية ونقد لاذع للحزبين هل تمثل جان بيير مستقبل الديمقراطيين؟
تذهب بيكا روثفيلد، في
استعراض مطول للكتاب بـ "واشنطن بوست"، إلى أن شكوى جان بيير تتلخص في "مظلمة
شخصية". تشير روثفيلد إلى أن جان بيير انفصلت عن الحزب ليس بسبب قضايا جوهرية
مثل دعم الحزب لنتنياهو، أو فشله في مواجهة هجوم إدارة ترامب، أو استمراره في
تقديم مرشحين كبار السن، أو عجزه عن تحقيق إنجازات سياسية حقيقية، بل بسبب محاولة
الحزب "إخراج جو بايدن المتهالك من السباق الرئاسي". هذا الموقف، في نظر
روثفيلد، لا يصدر إلا من "الراسخين في الولاء الحزبي".
- ترى روثفيلد أن جان بيير، على الرغم من تنصلها النظري من الحزب، قد تمثل مستقبله. فمحاولتها
- "تنظيف يديها من وصمة حزبها" مع تبني نفس النظرة القديمة للعالم ونفس "النبرة المضجرة" يشير
- إلى أنها لم تخرج فعلياً من الصندوق الفكري للحزب. وتؤكد روثفيلد أن الكتاب يفتقر إلى نقد جاد
- للسياسات الديمقراطية، ويحاول "الارتقاء باحتقانها الشخصي إلى مستوى الاعتراضات المبدئية"
- بعبارات مسكوكة لا تحمل
جديداً.
تتأكد مظلمة جان بيير
الشخصية في حديثها عن "رابطة الأخوة" وولاء الناخبات السوداوات للحزب،
وانتقادها للتهميش الذي يتعرضن له على الرغم من أهمية أصواتهن. وتعبر عن شعورها
بأنها كانت تمثل صوتاً للنساء السوداوات ومجتمع المثليين والمهاجرين، وأن رؤيتها
على المنصة كانت "أمراً مهماً".
وتخلص روثفيلد إلى أن
مشكلة جان بيير الحقيقية هي "افتقار الديمقراطيين إلى اللياقة"، سواء في
تعاملهم مع بايدن، أو معها شخصياً، أو مع هاريس التي رفضوا ترشيحها إلا بعد شجار. ترى
جان بيير أن هاريس كانت "الخليفة المنطقية" لبايدن و"التالية له في
الصف"، وأن "تجاوزها ليمثل قلة احترام للنساء السوداوات جميعاً"،
حتى وإن لم تعتقد جان بيير نفسها أن هاريس "يمكن أن تفوز".
نظرة نحو المستقبل هل يتعلم الديمقراطيون الدرس؟
بعيداً عن النقد
اللاذع، تقدم جان بيير رؤية للمستقبل. تقول في حوارها مع ديفيد سميث: "إنني
لن أرجع بالزمن، ما حدث قد حدث... ونحن الآن حيثما نحن الآن، وتركيزي منصب على
كيفية المضي قدماً، على خريطة الطريق للخروج من ظل هذا النظام شديد الاستبدادية
الذي يبدو أننا نجد أنفسنا في ظله".
- تدعو جان بيير الديمقراطيين إلى "فعل الكثير والمزيد"، وأن "يتصرفوا بوصفهم حزباً معارضاً في
- هذا الوقت". ترى أن التاريخ أظهر أن الأحزاب المعارضة لديها "فرصة لإعادة تخيل الأمر ومحاولة
- إيجاد حلول جديدة: كيف يمكننا فعل ذلك بصورة مختلفة
وأفضل؟".
في الوقت الحالي، تقضي
جان بيير وقتاً مع ابنتها الصغيرة لتعويض ما فاتها، وليس لديها أي نية للترشح
لمنصب سياسي. لكنها تأمل أن يساعد إعلانها للاستقلال عن الحزب الديمقراطي على
إثارة "نقاش جوهري حول مستقبل الحزب الديمقراطي والبلد".
فى الختام
كتاب "المستقلة" لكارين جان بيير هو أكثر من مجرد مذكرات شخصية؛ إنه صرخة استغاثة من داخل أروقة السلطة، ودعوة ملحة لإعادة تقييم الذات والنظر بجدية في مسار الحزب الديمقراطي ومستقبل السياسة الأمريكية.
السؤال المطروح الآن هو: هل يستطيع الديمقراطيون أن
يتعلموا الدرس من هذه النظرة "من الداخل إلى البيت الأبيض المهشم"؟

